يحبس البريطانيون أنفاسهم انتظاراً لإجراء انتخابات حاسمة في الرابع من شهر يوليو المقبل، وهي الانتخابات التي تأتي بعد 14 عاماً من حكم “المحافظين”، وهي فترة كانت مليئة بالمتغيرات المفصلية.
أبرز تلك المتغيرات الخروج من الاتحاد الأوروبي، وما تبع ذلك من تطورات كانت لها انعكاسات واسعة على سادس أكبر اقتصاد في العالم، مروراً بعد ذلك بجائحة كورونا ثم تداعيات الحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة وتكلفة المعيشة وانفجار معدلات التضخم.
انعكست تلك المتغيرات بشكل مباشر على النمو الاقتصادي بالبلاد، والذي واجه ضعفاً ربما غير مسبوق بنفس الوتيرة، الأمر الذي انعكس على الوضع المعيشي للبريطانيين.
يضع البريطانيون تلك المتغيرات نصب أعينهم عندما يصوتون في الانتخابات المرتقبة، في وقت يحاول فيه رئيس الوزراء ريشي سوناك استعادة الثقة في حزبه، بينما استطلاعات الرأي تشير لتقدم حزب العمال المنافس.
ويُنظر للملفات الاقتصادية باعتبارها الفيصل في تلك الانتخابات، سواء بالنظر للأرقام المحققة في عهد حكومات المحافظين المتعاقبة وكذا بالنسبة لخطة الحكومة الحالية التي أعلنت عنها.
من المؤشرات الاقتصادية التي يضعها الناخبون نصب أعينهم هي مؤشر الأجور، التي لم ترتفع إلا بالكاد، بحسب تقرير لشبكة “سي إن إن” لخص مجموعة من الأرقام المرتبطة بالاقتصاد البريطاني في عهد المحافظين، في رؤية بانورامية للوضع الاقتصادي بالبلاد.
أدى التضخم، الذي سجل مستوى قياسياً بلغ 11.1 بالمئة قبل 18 شهراً فقط، إلى تآكل القدرة الشرائية للأسر.
على الرغم من تباطؤ الوتيرة السنوية لارتفاع الأسعار – ونمو الأجور الآن بشكل أسرع من التضخم لمدة تسعة أشهر متتالية – فإن الأجور الحقيقية، أو المعدلة حسب التضخم، لم تزد إلا بالكاد منذ عام 2010، مما يعني أن الناس ليسوا أفضل حالا بشكل كبير.
ونقل التقرير عن المدير المساعد في معهد الدراسات المالية، توم ووترز، قوله: لقد كان ضعف نمو الدخل سمة مؤسفة للحياة الاقتصادية في المملكة المتحدة على مدى السنوات الـ 15 الماضية.. لقد كان النمو بطيئًا بالنسبة للجميع: الأغنياء والفقراء، الكبار والصغار.. على المدى الطويل، ما نحتاجه هو زيادة الإنتاجية”.
متوسط الدخل الأسبوعي الحقيقي في العام الماضي كان أقل بمقدار 205 جنيهات إسترلينية (262 دولاراً) من المستوى الذي كان من الممكن أن يصل إليه لو استمر في النمو بنفس الوتيرة التي كان عليها قبل الأزمة المالية عام 2008، بحسب بيانات مؤسسة القرار البريطانية.
أدى ضعف نمو الإنتاجية إلى ركود غير مسبوق في الأجور الحقيقية، حتى قبل أن يصل التضخم إلى أعلى مستوياته منذ أربعة عقود.
وتبعاً لتلك المعطيات فقد كانت مستويات المعيشة “مخيبة للآمال” في عهد المحافظين، في وقت كان فيه النمو الضعيف في الإنتاجية – الذي يقاس غالبا بالناتج المحلي الإجمالي لكل ساعة عمل – سببا في عرقلة عديد من الاقتصادات المتقدمة منذ الأزمة المالية العالمية على الأقل.
لكن أداء المملكة المتحدة كان “أسوأ من عديد من أقرانها”، الأمر الذي أدى إلى تضرر الدخول بشكل أكبر والإضرار أيضا بمستويات المعيشة.
ماذا عن الجنيه الاسترليني؟
ويشير التقرير إلى أن العملة البريطانية تعرضت لضربة قوية على مدار الأعوام الـ 14 الماضية، ولم يساعدها الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في يونيو 2016 أو الميزانية “المصغرة” الكارثية التي كشفت عنها رئيسة الوزراء المحافظة السابقة ليز تروس في سبتمبر 2022.
كان قرار بريطانيا بمغادرة الاتحاد الأوروبي يطارد الجنيه والاستثمارات الداخلية في البلاد منذ ما يقرب من عقد من الزمن.
يؤدي ضعف العملة إلى تفاقم التضخم ــ الذي بلغ ذروته عند مستوى أعلى في بريطانيا مقارنة بمستوياته في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو ــ لأنه يرفع تكلفة السلع المستوردة.
أزمة السكن
ومن بين أبرز الملفات الاقتصادية أيضاً ما يتعلق بامتلاك المنازل في بريطانيا، ففي حين أن الأجور الحقيقية لم تنمو إلا بالكاد، فقد ارتفعت أسعار المنازل، مما دفع حلم ملكية المنازل بعيدا عن متناول عديد من البريطانيين.
من ذروة بلغت 291.716 جنيه إسترليني (373.236 دولارًا) في سبتمبر 2022، انخفض متوسط سعر المنزل إلى 284.691 جنيه إسترليني (364.242 دولارًا) في ديسمبر الماضي، وفقًا لمكتب الإحصاءات الوطنية، لكن الأسعار تظل مرتفعة بالمعايير التاريخية، وخاصة عند مقارنتها بالدخل .
ومع توسع القدرة على تحمل التكاليف، انخفضت معدلات ملكية المنازل. وأظهرت بيانات التعداد أنه في عام 2021، امتلكت 62 بالمئة من الأسر في إنجلترا منازلها . وهذا يمثل انخفاضاً من 68 بالمئة في عام 2008/2009، وفقًا للأرقام الرسمية ، قبل وقت قصير من وصول المحافظين إلى السلطة.
ووفقاً لشركة زوبلا العقارية، فإن الملايين من البريطانيين عالقون في العقارات المستأجرة، والتي أصبحت أيضاً أكثر تكلفة. وفي المتوسط، تنفق الأسر الآن أكثر من 29 بالمئة من دخلها بعد خصم الضرائب على الإيجار، ارتفاعاً من 24 بالمئة في عام 2010.
الخدمات الصحية
وفي سياق متصل، كان أحد الوعود الخمسة التي قطعها سوناك للناخبين في وقت مبكر من رئاسته للوزراء هو تقليص قوائم انتظار هيئة الخدمات الصحية الوطنية. لكن عدد المرضى الذين ينتظرون العلاج غير الطارئ في إنجلترا ارتفع من 6.1 مليون في يناير 2023، عندما تعهد بذلك، إلى حوالي 6.3 مليون في مارس من هذا العام.
يشمل العلاج الاختبارات التشخيصية والمسح الضوئي، وإجراءات مثل استبدال مفصل الورك والركبة، بالإضافة إلى جراحة القلب غير العاجلة وعلاج السرطان وجراحة الأعصاب. وبما أن بعض المرضى يحتاجون إلى علاجات متعددة، فقد بلغ عدد المواعيد المعلقة 7.5 مليون في مارس، وفقًا لهيئة الخدمات الصحية الوطنية في إنجلترا.
كما نمت قوائم انتظار هيئة الخدمات الصحية الوطنية بشكل مطرد منذ ظهور جائحة كوفيد-19، مما أسهم في نقص العمال في المملكة المتحدة.
وفقا لمكتب الإحصاءات الوطنية، كان اعتلال الصحة هو السبب وراء كون أكثر من 2.8 مليون شخص “غير نشطين اقتصاديا” بين يناير ومارس 2024.
ووجد مسح أجراه مكتب الإحصاءات الوطنية في فبراير/شباط 2023 أن ثلث غير النشطين اقتصاديا كانوا ينتظرون علاج هيئة الخدمات الصحية الوطنية.
أزمات وتحديات
من لندن، قال خبير اقتصاديات الطاقة، نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الاقتصاد البريطاني واجه أزمات وتحديات، وكذلك سوء إدارة منذ وصول المحافظين لسدة الحكم في العام 2010، واستدل على ذلك بعدة تبعات، ومنها:
بريطانيا الآن تعد الأقل نجاحاً في مجموعة السبع حسب تقديرات صندوق النقد الدولي.
النجاحات الاقتصادية ضعيفة، ولكن أهمها هو خفض البطالة من 8 بالمئة العام 2010 إلى نحو 4 بالمئة في الربع الأول من العام 2024.
لكن عوامل الفشل والإخفاقات في ازدياد، وبعضها نتيجة قرارات كارثية؛ على رأسها الخروج من الاتحاد الاوروبي، كما أن جائحة كورونا والحرب أوكرانيا كان لهما تأثير سلبي كبير على الاقتصاد البريطاني.
وأبرز إسماعيل في معرض حديثه التبعات السلبية التي تحملها الاقتصاد البريطاني جراء الخروج من الاتحاد الأوروبي، بما في لك تراجع الاستثمار الخارجي في ظل حالة عدم اليقين السائدة، ومع خسارة جزء كبير من العلاقات الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي. كما أشار إلى ارتفاع المديونية الوطنية وما ينتج عن ذلك من تحديات.